«بسبب رسوم التسجيل».. طلاب لبنان مهددون بالحرمان من التعليم

«بسبب رسوم التسجيل».. طلاب لبنان مهددون بالحرمان من التعليم

لبنان- بلال نور الدين 

يواجه لبنان تحديات كبيرة منذ بدء الحرب مع إسرائيل في أكتوبر 2023، بالإضافة إلى استمرار الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أواخر 2019. 

في هذا السياق، أصدرت الحكومة قرارًا يلزم الأهالي بدفع 50 دولارًا عن كل طالب يلتحق بالمدارس الرسمية؛ ما أثار استياء الأهالي الذين يعانون من انخفاض الدخل وتراجع القدرة الشرائية. 

في المقابل، يشكو المعلمون من ضعف الرواتب؛ ما يعمِّق الأزمة التعليمية في البلاد.

تضارب التصريحات حول القرار كان واضحًا، فبينما أكدت وزارة التربية قرارها، أشارت مصادر أخرى إلى إمكانية إعفاء الطلاب من الرسوم، مع احتمال عقد جلسة حكومية لتأمين بدل إنتاجية للمعلمين. 

هذا التضارب زاد حالة الغموض حول مستقبل التعليم في البلاد.

اعتراض الأهالي 

أوضح المتحدث باسم هيئة مجالس الأهل وأولياء الأمور في المدارس الرسمية عبدالمجيد المهباني، أن القرار الذي اتخذ يخص "المساهمة في صناديق مجالس الأهل". 

وقال المهباني، “وعندما نتحدث عن مساهمة نتحدث حسب (نظام مجالس الأهل) عن مساهمة يقررها مجلس الأهل استنادا لموازنة يعدها الأهل في يونيو  من كل عام ويحدد بموجبها قيمة مساهمة الأهل فيها.. أما الوزير فهو يحدد السقف الأعلى لهذه المساهمة.. وما حدث أن الوزير حدد قيمة المساهمة متجاوزا حق مجالس الأهل في إقرارها وتحديد قيمة المساهمة، وشمل بهذه المساهمة المقتدرين وغير المقتدرين على الدفع".

وأعرب المهباني عن تخوفه من تأثير القرار على قدرة الأهالي المادية، محذرا من أن "المساهمة الإلزامية قد تعيق العديد من الطلاب عن الالتحاق بالمدارس، ما يهدد حقهم في الوصول إلى التعليم ويرفع نسب التسرب المدرسي لأسباب اقتصادية". 

وتابع "وكما نعلم أن الإنفاق على التعليم ليس محصورا في رسم تسجيل أو صندوق الأهل، بل يشمل جوانب أخرى على الأهل تأمينها، مثل القرطاسية والنقل والغذاء والكتب المدرسية وغيرها، وغالبية العائلات متعثرة ماليا ولا يمكنها تغطية هذا الحجم خاصة لمن لديه ولدان أو أكثر، وبالتالي سيخسر البعض حقه في التعليم وتبدأ أزمة التسرب المدرسي".

ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد، انهارت الليرة اللبنانية بشكل دراماتيكي، بحيث وصلت قيمة الدولار إلى 90 ألف ليرة، ما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية لأكبر فئة من المواطنين.. وقد أظهر تقرير نشره البنك الدولي في مارس 2024 أن معدل الفقر في لبنان ارتفع من 12% إلى 44%.

وكشف المهباني، عن أن الهيئة تواصلت مع الساسة والأحزاب والفعاليات على صعيد لبنان، ولكنه يوضح أن في الوقت نفسه أن الهيئة "لم تستطع التواصل مع المعنيين في وزارة التربية ولا مع وزير التربية والتعليم الدكتور عباس الحلبي بسبب سفره خارج لبنان". 

وتابع "نحن لسنا مع التظاهرات في الشارع وننتظر عودة وزير التربية وقرار مجلس شورى الدولة بالطعن المقدم".

وبينما يوضح المهباني أنه حتى الآن لا توجد مبادرات لمحاولة توفير قيمة التسجيل للعائلات المحتاجة، يشير إلى أن "الوضع الاقتصادي الحالي يزيد من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للطلاب، وهذا يزيد من العبء على العائلات ويؤثر سلباً على قدرة الطلاب على متابعة تعليمهم بشكل طبيعي".

واختم حديثه، مطالبا الحكومة بـ"اتخاذ خطوات عاجلة لتخفيف العبء المالي عن العائلات، مثل إلغاء أو تخفيض رسوم التسجيل للمرحلتين الابتدائي والثانوي وتوفير دعم مالي للمدارس.. إضافة إلى تأمين الموارد اللازمة لضمان توفر الكتب والقرطاسية بأسعار معقولة"، منوها بأن هذه الإجراءات ضرورية لضمان بدء العام الدراسي في موعده وتوفير بيئة تعليمية مناسبة للطلاب.

طلب إعفاء

وبدوره، قال رئيس رابطة معلمي التعليم الأساسي في لبنان، حسين جواد: في حال لم يستطع طالب من الطلاب دفع مبلغ فبالتأكيد ليس مسموحاً لأحد، لا قانونيا ولا أخلاقيا، أن يترك طالب خارج التعليم.. ونحن كرابطة معلمي التعليم الأساسي، سنحاسب أي شخص سيقدم على مثل هذه الخطوة، منوها بأنه "في حال لم يستطع الطالب دفع المبلغ، فمن الممكن نسعى لدى وزارة التربية لطلب الإعفاء له (من المبلغ)، أو من الممكن أن نسعى لدى الخيرين والجمعيات لكي يدفعوا التكاليف عن الطلاب غير القادرين".

وعن مطالب المعلمين أكد جواد، على أن الأساس هو تحسين الراتب عبر بدل الإنتاجية، فالسنة الماضية كنا نتقاضى 300 دولار، أما هذه السنة فنريد أن يكون ذلك البدل مضاعفا أي  600دولار  كحد أدنى. 

وتابع: "نحن اليوم نسعى ونفاوض ونتحاور وندير لقاءات مع الكتل النيابية، وتواصلنا مع وزير التربية ونحن بانتظار تحديد موعد مع رئيس الحكومة".

وقال جواد: سنقوم بواجباتنا في المدرسة، وفي الوقت نفسه سنفاوض وسنحاور من أجل الوصول إلى حقوقنا، ولن نستخدم لغة الإضراب إلا عند الحاجة القصوى.

وتعد الاضطرابات سلاحا أساسيا لدى موظفي القطاع العام في لبنان، فقد شهدت المدارس الرسمية حالة من الشلل لأسابيع طويلة منذ بداية الانهيار الاقتصادي عام 2019. 

رواتب معدومة وتعليم متدهور

من جهته، يشير هاني، وهو أستاذ في إحدى المدارس الرسمية جنوب لبنان، إلى أن ضعف الراتب "أثر على المستوى التعليمي كونه جعل الكثير من عمالقة التعليم يتركون المجال" مؤكدا أن "الطلاب بحاجة إلى دعم نفسي وتربوي والأساتذة أيضا بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي".

ويكشف هاني في حديثه مع "جسور بوست" أن "أهالي الطلاب وخاصة في مناطق الحرب يواجهون تحدياً كبيراً من ناحية القدرة على تأمين كلفة التسجيل لتأمين التحاق أولادهم في صفوف الدراسة.

وعن الواقع المعيشي للمعلمين قالت، مروى الحسن، وهي معلمة بمدرسة رسمية في بيروت، إن "رواتب الأساتذة في لبنان اليوم، لا تكفي للعيش بطريقة لائقة وتأمين الحاجات الأساسية، لقد أصبحنا غير قادرين على العيش بطريقة لائقة.. وبتنا مضطرين للعمل في وظيفة ثانية بالتزامن مع التعليم، لكي نؤمن الحاجات الأساسية لنا ولأُسرِنا".

وحول مدى تأثير الراتب على جودة التعليم قالت، "بالتأكيد أن ضعف الراتب يؤثر على جودة التعليم، ولكن يبقى أن نقول إن الضمير ما زال حيا عند أغلب المعلمين.. وكلما تحسن الراتب أعطى المدرس من قلبه أكثر، فكيف نتوقع واقع التعليم إذا كان الراتب ضعيفا؟ إذ عندها مهما كان لديه ضمير فإلى أي مدى سيتمكن من تحسين أدائه في الصف، خاصة أنه يتعب بدون مقابل ملائم".

وفي وقت تشعر بأن الدولة "تتعمد أحيانا عدم دعم المدارس الرسمية لصالح المدارس الخاصة في البلاد"، تؤكد أن جزءاً من مطالب الأساتذة في القطاع العام يتركز حول "الحصول على بدل نقل وتحسين الراتب ونيل ضمان الشيخوخة".

وعن وضع الطلاب فتكشف أن بعضهم قرر ترك المدرسة بسبب عدم قدرة أهله على التوفير في حين أن طلاباً آخرين قرروا العمل في مهن وحرف معينة لتأمين تكاليف الدراسة.

مقترحات وحلول

وفي السياق نفسه، شددت الباحثة في مجال التربية والمحاضرة الجامعية، الدكتور رشا حالات، على جزئية الأثر السلبي للأزمة الاقتصادية على المعلمين والطلاب وأهاليهم، موضحة أن الأساتذة في القطاع العام الذين "كانت رواتبهم تتراوح بين 1,000 و2,000 دولار قبل الأزمة، الآن يتقاضون أقل من 300 دولار شهريًا". 

وأضافت حالات، في حديث مع "جسور بوست" أن الأزمة جعلت الأهالي "يعملون بوظائف متعددة لتأمين الحد الأدنى من احتياجات التعليم لأطفالهم".

وتعتقد حالات أن رسم الـ50 دولاراً "قد يبدو حلاً مؤقتاً لدعم المدارس وتوفير دخل يساعدها على مواجهة التحديات المالية، لكن بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر اللبنانية، سيكون لهذا القرار عواقب كبيرة"، 

وأضافت: "وبالنسبة إلى العائلات التي تعيش في المناطق الجبلية أو الريفية مثل البقاع أو عكار، فقد تواجه هذه الأسر تحديات إضافية في فصل الشتاء، حيث تحتاج إلى توفير تكاليف التدفئة والوقود التي ارتفعت بشكل كبير نتيجة الأزمة الاقتصادية.. هذا يعني أن العائلات ستكون أمام قرار صعب بين تأمين ضروريات الحياة الأساسية أو دفع الرسوم المدرسية؛ ما سيزيد من معدلات التسرب المدرسي".

وفي هذا الإطار، نبهت حالات إلى "واحدة من الظواهر التي يشهدها القطاع التربوي في الوقت الحالي، التي هي التحول الكبير من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية، والسبب الرئيسي لذلك هو أن المدارس الخاصة رفعت الأقساط المدرسية بشكل كبير لتغطية تكاليفها التشغيلية نتيجة الأزمة الاقتصادية، هذا الأمر دفع العديد من العائلات، التي كانت في الأصل ترسل أولادها إلى المدارس الخاصة، إلى الانتقال إلى المدارس الرسمية بحثًا عن تخفيف الأعباء المالية". 

وأشارت إلى أن "هذا التحول يؤدي إلى ضغط إضافي على المدارس الرسمية، التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد والمعلمين". 

وتتخوف حالات من أنه "إذا استمرت الأوضاع الحالية كما هي دون تدخل جذري فسيكون العام الدراسي القادم (2024-2025) مشابهاً للسنوات السابقة، فقد نشهد إضرابات متكررة من قبل المعلمين، ونقصًا في الموارد المدرسية، وزيادة في معدلات التسرب المدرسي". 

وأوضحت أن الرسوم قد تؤدي  إلى خلق "مزيدًا من التحديات في تسجيل الطلاب؛ ما سيؤدي إلى انخفاض أعدادهم".

وقالت إن "تقليص عدد أيام التدريس، كما حدث في السنوات السابقة، سيؤثر بشكل سلبي على مستوى التحصيل العلمي للطلاب.. فعلى سبيل المثال، في المدارس الحكومية تم تقليص عدد أيام التدريس إلى أربعة أيام في الأسبوع، بينما المدارس الخاصة ما زالت تدرس خمسة أيام في الأسبوع؛ ما ترك فجوات كبيرة في التعلّم بين المتعلمين في القطاعين الخاص والرسمي.. كما أن الطلاب في هذه المدارس يعانون من تأخر في إتمام المناهج المقررة، وهذا ما سيؤثر بشكل كبير على نتائجهم في الامتحانات الرسمية ومستوياتهم الأكاديمية المستقبلية مقارنة بأقرانهم في المدارس الخاصة".

وأكدت حالات، على أن الحلول تبدأ بتحسين رواتب المعلمين بشكل فوري، وذلك إما من خلال رفع الرواتب الحالية لتتناسب مع التضخم الحاصل، أو تقديم حوافز مالية إضافية للمعلمين، لافتة إلى أنه “يمكن تمويل هذه الزيادات من خلال قروض دولية أو دعم من منظمات دولية مثل اليونيسف أو البنك الدولي.. وأيضاً يمكن التفكير في دعم الرواتب عبر صندوق وطني للتعليم يُموَّل من القطاع الخاص أو المغتربين”.

وتابعت "كما يمكن للدولة بالتعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية إنشاء صناديق للمنح الدراسية تستهدف الطلاب المحتاجين، ما يساعد في تخفيف العبء عن العائلات غير القادرة على دفع الرسوم المدرسية أو شراء اللوازم الدراسية، بحيث يمكن أن يتم تقديم هذه المنح بشكل عاجل للطلاب الأكثر تضرراً في المناطق الفقيرة".

وطرحت حلولا إضافيةـ قائلة: “يمكن للحكومة بالتعاون مع البلديات توفير خدمات نقل مدعومة أو مجانية للطلاب، خاصة في المناطق النائية، ما يسهم في تخفيف العبء المالي على العائلات ويضمن وصول الطلاب إلى مدارسهم بانتظام”، مؤكدة أنه من الضروري توفير برامج دعم نفسي داخل المدارس للمعلمين والطلاب لمساعدتهم على التعامل مع الضغوط النفسية والاقتصادية الحالية.

اليونيسيف إلى جانب الطلاب

وتعليقا على واقع التعليم في لبنان يقول مكتب اليونيسيف في بيروت، إن "الوصول إلى تعليم شامل وعالي الجودة في لبنان لا يزال في خطر بسبب الأزمات المتداخلة المتعددة التي تؤثر على توفير الخدمات التعليمية المناسبة، وخاصة للأطفال الأكثر تهميشاً، ومع ازدياد عدد الناس الذين يغرقون في الفقر يومياً، لا يستطيع المعلمون تلبية احتياجاتهم الأساسية، ولا تستطيع الأسر الأكثر ضعفاً تحمل نفقات أساسية مثل تكاليف النقل إلى المدرسة".

ويوضح أن "لبنان شارك في تأسيس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعترف بمبدأ احترام وضمان الحقوق الأساسية للجميع. إذ يضمن القانون اللبناني رقم 220/2000 حق التعليم لكل فرد؛ ما يعني أن القانون يوفر فرصاً متساوية للتعليم والتعلم لجميع الأفراد". 

وحول ما تفعله اليونيسيف لدعم الطلاب والمعلمين يكشف المكتب أن "اليونيسف تقدم مجموعة متنوعة من خدمات الدعم لجميع الأطفال اللبنانيين وغير اللبنانيين في المدارس الرسمية، حيث تقوم بدعم الرسوم المدرسية لجميع الأطفال اللبنانيين واللاجئين المستضعفين، وتخصيص تمويل إضافي لصناديق المدارس وصناديق مجالس الأهل لزيادة الميزانيات المدرسية، ما يسمح بتغطية تكاليف الخدمات واللوازم الأساسية، بما في ذلك الوقود". 

وتابع: “كما أن اليونيسيف تقوم بتمويل وصرف رواتب أكثر من 14,000 من المعلمين المتعاقدين، والمشرفين، والمديرين، والمستشارين في فترات الدوام الصباحية والمسائية، وتوفير لوازم التعلم والقرطاسية والكتب المدرسية المخصصة لجميع الطلاب.. إضافة إلى ذلك قامت بإعادة تأهيل أكثر من 338 مدرسة رسمية منذ عام 2015، وتركيب أنظمة طاقة شمسية في أكثر من 83 مدرسة منها، وبناء 4 مدارس رسمية جديدة، كما تقوم بتمويل التعليم الشامل في أكثر من 80 مدرسة رسمية وتقديم خدمات دعم متخصصة ومعدات للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم مساعدات نقدية للتعليم تستهدف الأطفال المؤهلين في التعليم الرسمي بغض النظر عن جنسيتهم، أخيرًا تدعم اليونيسف برنامج استعادة التعلم الذي يشمل المدرسة الصيفية، وخط المساعدة للتعلم عبر الهاتف، وتدريب المعلمين”.

وأوصى المكتب الأممي بضرورة زيادة الإنفاق الوطني على التعليم، خاصة لصناديق المدارس وصناديق مجالس الأهل، إلى جانب إصلاح نظام التعليم، بحيث يكون أكثر عدالة وكفاءة وفاعلية في بناء مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية، وتحسين المهارات الحياتية، بالإضافة  إلى ضمان الوصول إلى تعليم عالي الجودة لجميع الأطفال، بمن في ذلك الأطفال ذوو الإعاقة، وأيضا توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لدعم الأسر الضعيفة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية